سورة آل عمران - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48)}
{اقنتي} القنوت هنا بمعنى الطاعة والعبادة، وقيل: طول القيام في الصلاة وهو قول الأكثرين {واسجدي واركعي} أمرت بالصلاة فذكر القنوت والسجود لكونها من هيئة الصلاة وأركانها، ثم قيل لها: اركعي مع الراكعين بمعنى: ولتكن صلاتك مع المصلين، أو في الجماعة؛ فلا يقتضي الكلام على هذا تقديم السجود على الركوع، لأنه لم يرد الركوع والسجود المنضمين في ركعة واحدة، وقيل أراد ذلك، وقدم السجود لأن الواو لا ترتب، ويحتمل أن تكون الصلاة في ملتهم بتقديم السجود على الركوع {ذلك} إشارة إلى ما تقدم من القصص وهو خطاب النبي صلى الله عليه وسلم {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ} احتجاجاً على نبوته صلى الله عليه وسلم؛ لكونه أخبر بهذه الأخبار وهو لم يحضر معهم {يُلْقُون أقلامهم} أي أزلامهم، وهي قداحهم، وقيل: الأقلام التي كانوا يكتبون بها التوراة؛ اقترعوا بها على كفالة مريم، حرصاً عليها وتنافساً في كفالتها، وتدل الآية على جواز القرعة، وقد ثبتت أيضاً من السنة {أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ} مبتدأ وخبر في موضع نصب بفعل تقديره: ينظرون أيهم {يَخْتَصِمُونَ} يختلفون فيمن يكفلها منهم {إِذْ قَالَتِ الملائكة} إذ بدل من إذ قالت، أو من إذ يختصمون، والعمل فيه مضمر {اسمه} أعاد الضمير المذكر على الكلمة، لأن المسمى بها ذُكر {المسيح} قيل: هو مشتق من ساح في الأرض، فوزنه مفعل، وقال الأكثرون: من مسح لأنه مسح بالبركة فوزنه فعيل وإنما قال: عيسى بن مريم والخطاب لمريم لينسبه إليها، إعلاماً بأنه يولد من غير والد {وَجِيهاً} نصب على الحال، ووجاهته في الدنيا النبوة والتقديم على الناس، وفي الآخرة الشفاعة وعلوّ الدرجة في الجنة {فِي المهد} في موضع الحال، {وَكَهْلاً} عطف عليه، والمعنى أنه يكلم الناس صغيراً؛ أيةً تدل على براءة أمّه مما قذفها به اليهود، وتدل على نبوته، ويكلمهم أيضاً كبيراً؛ ففيه إعلام بعيشه إلى أن يبلغ سن الكهولة، وأوله: ثلاث وثلاثون سنة وقيل: أربعون {وَيُعَلِّمُهُ} عطف على يبشرك أو ويكلم {الكتاب} هنا جنس، وقيل الخط باليد، والحكمة هنا العلوم الدينية، أو الإصابة في القول والفعل.


{وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50)}
{وَرَسُولاً} حال معطوف على ويعلمه إذ التقدير: ومعلماً الكتاب أو يضمر له فعل تقديره أرسل رسولاً أو جاء رسولاً {إلى بني إِسْرَائِيلَ} أي أرسل إليهم عيسى عليه السلام مبيناً لحكم التوراة {أَنِي} تقديره بأني {ا أَخْلُقُ} بفتح الهمزة بدل من أني الأولى، أو من آية وبكسرها ابتداء كلام {فَأَنفُخُ فِيهِ} ذكر هنا الضمير لأنه يعود على الطين، أو على الكاف من كهيئة، وأنث في المائدة لأنه يعود على الهيئة {فَيَكُونُ طَيْراً} قيل: إنه لم يخلق غير الخفاش، وقرئ طيراً بياء ساكنة على الجمع، وبالألف وهمزة طائراً على الإفراد، ذكر {بِإِذْنِ الله}: رفعاً لوهم من توهم في عيسى الربوبية {وَأُبْرِىءُ} روي أنه كان يجتمع إليه جماعة من العميان والبرصاء فيدعو لهم فيبرؤون {وَأُحْيِ الموتى} روي أنه كان يضرب بعصاه الميت أو القبر فيقوم الميت ويكلمه، وروي أنه أحيا سام بن نوح {وَأُنَبِّئُكُمْ} كان يقول: يا فلان أكلت كذا وادخرت في بيتك كذا {وَمُصَدِّقاً} عطف على رسولاً أو على موضع بآية من ربكم، لأنه في موضع الحال، وهو أحسن لأنه من جملة كلام عيسى فالتقدير: جئتكم بآية من ربكم، وجئتكم مصدقاً {وَلأُحِلَّ لَكُم} عطف على بآية من ربكم، وكانوا قد حرم عليهم الشحم ولحم الإبل وأشياء من الحيتان والطير فأحل لهم عيسى بعض ذلك.


{إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51)}
{إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ} ردّ على من نسب الربوبية لعيسى وانتهى كلام عيسى عليه السلام إلى قوله: {صراط مُّسْتَقِيمٌ} وابتداؤه من قوله: أني قد جئتكم، وكل ذلك يحتمل أن يكون مما ذكرت الملائكة لمريم، حكاية عن عيسى عليه السلام أنه سيقوله، ويحتمل أن يكون خطاب مريم قد انقطع ثم استؤنف الكلام من قوله ورسولاً على تقدير جاء عيسى رسولاً: بأني قد جئتكم بآية من ربكم، ثم استمر كلامه إلى آخره.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9